responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 751
[سورة الإنسان (76) : الآيات 15 الى 16]
وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (16)
فِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: قَالَ تَعَالَى: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ [الزُّخْرُفِ: 71] وَالصِّحَافُ هِيَ الْقِصَاعُ، وَالْغَالِبُ فِيهَا الْأَكْلُ فَإِذَا كَانَ مَا يَأْكُلُونَ فِيهِ ذَهَبًا فَمَا يَشْرَبُونَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَهَبًا لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُتَنَوَّقَ فِي إناء الشرب مالا يُتَنَوَّقُ [1] فِي إِنَاءِ الْأَكْلِ وَإِذَا دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ إِنَاءَ شُرْبِهِمْ يَكُونُ مِنَ الذهب فكيف ذكر هاهنا أَنَّهُ مِنَ الْفِضَّةِ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَتَارَةً يُسْقَوْنَ بِهَذَا وَتَارَةً بِذَاكَ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْآنِيَةِ وَالْأَكْوَابِ؟ الْجَوَابُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْأَكْوَابُ الْكِيزَانُ الَّتِي لَا عُرَى لَهَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْإِنَاءَ يَقَعُ فِيهِ الشُّرْبُ كَالْقَدَحِ، وَالْكُوبُ مَا صُبَّ مِنْهُ فِي الْإِنَاءِ كَالْإِبْرِيقِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: مَا مَعْنَى كانَتْ الْجَوَابُ: هُوَ من يكون في قوله: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: 117] أَيْ تَكَوَّنَتْ قَوَارِيرَ بِتَكْوِينِ اللَّهِ تَفْخِيمًا لِتِلْكَ الْخِلْقَةِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ صِفَتَيِ الْجَوْهَرَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ.
السُّؤَالُ الرَّابِعُ: كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْأَكْوَابُ مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ قَوَارِيرَ؟ الْجَوَابُ: عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ أَصْلَ الْقَوَارِيرِ فِي الدُّنْيَا الرَّمْلُ وَأَصْلُ قَوَارِيرِ الْجَنَّةِ هُوَ فِضَّةُ الْجَنَّةِ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَقْلِبَ الرَّمْلَ الْكَثِيفَ زُجَاجَةً صَافِيَةً، فَكَذَلِكَ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَقْلِبَ فِضَّةَ الْجَنَّةِ قَارُورَةً لَطِيفَةً، فَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ، التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ نِسْبَةَ قَارُورَةِ الْجَنَّةِ إِلَى قَارُورَةِ الدُّنْيَا كَنِسْبَةِ فِضَّةِ الْجَنَّةِ إِلَى رَمْلِ الدُّنْيَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، فَكَذَا بَيْنَ الْقَارُورَتَيْنِ فِي الصَّفَاءِ وَاللَّطَافَةِ وَثَانِيهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَمَالُ الْفِضَّةِ فِي بَقَائِهَا وَنَقَائِهَا وَشَرَفِهَا إِلَّا أَنَّهُ كَثِيفُ الْجَوْهَرِ، وَكَمَالُ الْقَارُورَةِ فِي شَفَافِيَّتِهَا وَصَفَائِهَا إِلَّا أَنَّهُ سَرِيعُ الِانْكِسَارِ، فَآنِيَةُ الْجَنَّةِ آنِيَةٌ يَحْصُلُ فِيهَا مِنَ الْفِضَّةِ بَقَاؤُهَا وَنَقَاؤُهَا، وَشَرَفُ جَوْهَرِهَا، وَمِنَ الْقَارُورَةِ، صَفَاؤُهَا وَشَفَافِيَّتُهَا وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا تَكُونُ فِضَّةً وَلَكِنْ لَهَا صَفَاءُ الْقَارُورَةِ، وَلَا يُسْتَبْعَدُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوَارِيرِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الزُّجَاجَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيَ مَا اسْتَدَارَ مِنَ الْأَوَانِي الَّتِي تُجْعَلُ فِيهَا الْأَشْرِبَةُ وَرَقَّ وَصَفَا قَارُورَةً، فَمَعْنَى الْآيَةِ وَأَكْوَابٍ مِنْ فِضَّةٍ مُسْتَدِيرَةٍ صَافِيَةٍ رَقِيقَةٍ.
السؤال الخامس: كيف القراءة في قَوارِيرَا قَوارِيرَا؟ الْجَوَابُ: قُرِئَا غَيْرَ مُنَوَّنَيْنِ وَبِتَنْوِينِ الْأَوَّلِ وَبِتَنْوِينِهِمَا، وَهَذَا التَّنْوِينُ بَدَلٌ عَنْ أَلْفِ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ فَاصِلَةٌ، وَفِي الثَّانِي لِإِتْبَاعِهِ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنَ الْأَوَّلِ فَيَتْبَعُ الْبَدَلُ الْمُبْدَلَ، وَقُرِئَ: قَوَارِيرُ مِنْ فِضَّةٍ بِالرَّفْعِ عَلَى هِيَ قَوَارِيرُ، وقدروها صفة لقوارير مِنْ فِضَّةٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدَّرُوها تَقْدِيراً فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ: قَدَّرُوها تَقْدِيراً عَلَى قَدْرِ رِيِّهِمْ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ مِنَ الرِّيِّ لِيَكُونَ أَلَذَّ لِشُرْبِهِمْ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: إِنَّ تِلْكَ الْأَوَانِيَ تَكُونُ بِمِقْدَارِ مِلْءِ الْكَفِّ لَمْ تَعْظُمْ فَيَثْقُلَ حملها.

[1] يتنوق مثل يتأنق وزنا ومعنى.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 30  صفحه : 751
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست